يتحدث المقال عن كيفية وصول طفل مشرد لأعلى درجات التكريم وحصوله على جائزة نوبل ، وللأسف فإن قسمم كبير من الأطفال الحاليين الذين ولدوا وفي فمهم ملعقة من ذهب يعجزون عن إتمام دراستهم وحصولهم على درجات جيدة فقط .
ولد ماريو كابيكي في عام 1937 في قرية في جبال الألب الايطالية، وكانت أمه تقرض الشعر، وفي ظل حمى النازية في المانيا والفاشية في ايطاليا، أدركت أن أوربا مقدمة على خطر ماحق، فكونت مع مجموعة من الشعراء البوهيميين الصعاليك خلية لمقاومة هتلر وموسليني بسلاح الكلمة فكان مصيرها الاعتقال على يد الشرطة السرية الالمانية في عام 1941م، وهكذا وجد ماريو نفسه في الشارع وعمره اربع سنوات، بلا عائل ولا أسرة في ظروف الحرب العالمية الثانية القاسية، فكان ان انضم الى عصابة من الأطفال المشردين تخصصت في سرقة الطعام.. حتى انتهى به الأمر ملقى في شارع بلا حراك، من فرط الجوع والبرد، فتم نقله الى احد المستشفيات ولزم سريرا ليس به فرش ولا غطاء، وكان الطعام الوحيد المتوفر في المستشفى هو قطعة خبز و«بواقي» القهوة التي يشربها الكادر الطبي ولمرة واحدة في اليوم، ومنعا لأمثال ماريو من الأطفال من الهرب تم تجريدهم من ملابسهم فكان عليهم قضاء اليوم بطوله عرايا بلا أغطية صيفا وشتاء.. وحاول ماريو الهرب من المستشفى عدة مرات ولكن كان من السهل اكتشاف طفل عار يتسلق الأسوار وإعادته الى سريره البائس، وبعد سقوط الفاشية ودخول القوات الامريكية ايطاليا كانت لوسي رامبيرغ والدة ماريو قد نالت حريتها وبحثت عنه الى ان عثرت عليه في اكتوبر من عام 1946 وقد بلغ التاسعة من العمر، ونقلته معها الى روما حيث استحم لأول مرة منذ ست سنوات، ومن هناك سافرت به الى مستوطنة من الكويكرز خارج مدينة فلادلفيا (الكويكرز جمعية تحمل اسم «جمعية الأصدقاء الدينية» وهم بالمناسبة يؤيدون الحقوق الفلسطينية أكثر من بعض العرب وقد استضافوا كاتب هذه السطور في ندوة على هامش مهرجان ادنبره الثقافي عام 2005 وأدهشوني بحماسهم لنصرة الحق الفلسطيني).
نعود الى ماريو الذي دخل المدرسة في فلادلفيا لأول مرة وعمره 11 سنة، دون ان يعرف كلمة انجليزية واحدة، وفي سن كتلك في الصف الأول الابتدائي تحول الى فتوة يستأجره الطلاب ليخوض مشاجرات نيابة عنهم نظير أجر معلوم، مما أعطاه مكانة وهيبة في المدرسة... وتمكن البلطجي الذي تعلم ابجديات القراءة والكتابة وهو في الحادية عشرة من التفوق الدراسي.. وهو اليوم ملء السمع والبصر، ولعل معظمكم رآه مؤخرا في أبهى حلة لأنه فاز بجائزة نوبل في الطب قبل أسابيع قليلة بوصفه أول من فك لغز الحمض النووي (دي إن إيه).. دخل جامعة هارفارد وانتقل منها الى جامعة أوتاه... فلا تعلق قعودك وبؤس حالك على شماعة «الظروف السيئة» فلا أظن ان ظروفك أسوأ من تلك التي مر بها ماريو كابيكي.
--------------------------------------------------------------------------------